كيف تتعامل الأسرة مع متعاطي المخدّرات؟

Image

يُعد الإدمان حالة معقّدة تتطلب أكثر من مجرد إرادة بطوليّة من المُتعاطي وحده؛ إذ يدخل فيها كسر الروابط الأسرية، اضطراب النظم العاطفية والاجتماعية، وانهيار الأدوار المعتادة — ما يجعل دور الأسرة لا يقلّ أهمية عن دور المراكز العلاجية. إنّ الطريقة التي تتعامل بها الأسرة مع متعاطي المخدّرات تُمثّل عاملاً جوهريّاً في نجاح رحلة التعافي أو فشلها. في هذا المقال، نستعرض بأسلوب صحفي شامل الأسس القائمة على الخبرة والممارسات المثبتة لكيفية تعامل الأسرة:

لماذا يُعد الدعم الأسري جوهريّاً؟

الإدمان ليس مجرد “رغبة قوية” في مادة أو سلوك، بل مرض يغيّر نظام الدماغ ويُضعِف قدرة الشخص على اتخاذ القرار أو الامتناع، ويتطلّب — كما تشير مصادر مختصة — تفاعلًا من بيئته وعلى رأسها الأسرة. (Verywell Mind)
وعندما تتلقّى الأسرة المعلومات الصحيحة والدعم المناسب، فإنّ فرص الشفاء والتقليل من الانتكاس ترتفع، بحسب دراسات تدخل الأسرة في علاج الإدمان. (NCBI)
ولذلك، فإنّ معرفة “كيفية التعامل” ليست رفاهية، بل ضرورة استراتيجية.

قبل الشروع في العلاج: خطوات أساسية للأسرة

1. تجنّب الصراخ واللوم

حين تواجه الأسرة مدمنًا، قد يكون الانفعال أول ردّ فعل. لكن الخبراء يؤكّدون أن العنف اللفظي أو الاتهام بأنه “كسول” أو “مدمر لحياته” يزيد من العزلة ويُضعف فرص التعاون. بدلاً من ذلك، شجّع الحوار الهادئ، واستخدم عبارات تبدأ بـ«أنا» بدلًا من «أنت» للتعبير عن التأثير الذي تَلقاه أنت، لا لإلقاء اللوم. (70x7wm.com)

2. الاعتراف بالمشكلة والتعبير عن الدعم

قولك: “أرى ما يحدث، وأريد أن أساعدك” أكثر تأثيرًا من تجاهل الأمر أو الشكوى خلف الكواليس. إظهار أنّك موجود لدعمه وليس لمحاسبته، يُسهم في فتح قنوات تواصل.

3. تجنّب الدعم المالي المخلّ بالحدود

قد يسعى المدمن لطلب المال لتخفيف الضغط أو شراء المخدّر. رأي العيادات المتخصّصة أنّ توفير كل احتياجه المادي يُعدّ تمكينًا – وهو ما يُوصى بتجنّبه بإيجاد بدائل لدعم احتياجاته الأساسية بلا تشجيع لسلوك الإدمان.

4. تحفيز البحث عن مساعدة طبية مختصّة

يمكنك أن تذكّره بلطف بأن هناك خيارات: تقييم من طبيب نفسي، برنامج سحب سموم، إعادة تأهيل، مجموعات دعم. لا تحمله الأمر وحده لكن أعرض عليه أن ترافقه أو تساعده في الخطوة الأولى.

5. الاعتناء بنفسك كعضو في الأسرة

كثيرًا ما تُهمَل احتياجات أفراد الأسرة الذين يعيشون مع مدمن: الضغط النفسي، الانهيار العاطفي، الشعور بالذنب. الدراسات تشير إلى أن العائلات بحاجة إلى دعمها الخاص، مثل مجموعات «العائلات المجهولة» (Families Anonymous) أو جلسات استشارية. (Hazelden Betty Ford)

أثناء فترة العلاج: كيف تتعامل الأسرة؟

التفهم والوعي بالمشكلة

المريض بحاجة لأن يشعر أنّ الأسرة تفهمه، لا تحكم عليه. بحُسن النية فقط لا يكفي؛ بل لا بُدّ من معرفة أن الإدمان مرض نفسي وجسدي. (National Rehab Hotline)

الاستماع الجيد

تجنّب الأسئلة المحاصِرة أو النقد. استخدم عبارات مفتوحة مثل: «كيف تشعر اليوم؟» بدلاً من «متى تتوقّف؟». Active listening (الاستماع الفعّال) أساسيّ. (OK Rehab)

تجنّب الأحكام

الشعور بالعار بين المتعافين تحد كبير. العائلة التي تتبنى موقف “نحن معك” بدلًا من “أنت مخذول” تساعد كثيراً في طريق التعافي.

التشجيع والدعم المستمر

كلمة بسيطة “أنا فخور لأنك بدأت العلاج” تترك أثرًا. شجع حضور مجموعات الدعم، وأظهر أنك متابع، وليس منفصلاً.

الصبر

التعافي ليس قدومًا وغدًا تكون الأمور تمامًا، بل رحلة يمكن أن تستغرق أشهرًا وسنوات، وتتخلّلها انتكاسات. تأقلم مع الواقع ولا تتوقع المثالية. (OK Rehab)

التقليل من المحفزات البيئية

البحث ينصح بأن تُخلى البيئة من المواد المخدّرة، الأصدقاء الذين لا يزالون يتعاطون، وأن تُحدَّد المواقف الاجتماعية التي تزيد خطر الانتكاس. (FHE Health)

المتابعة الطبية والنفسية

بجانب الجلسات العلاجية للمريض، ينبغي أن تخضع الأسرة لجلسات تثقيفية أو علاج جماعي؛ لأنّ الأسرة تُعتبر جزءًا من منظومة التعافي. (Hazelden Betty Ford)

تشجيع الاستبدال بالعادات الصحية

النوم المنتظم، التغذية الجيدة، الرياضة أو الهوايات الجديدة — كل ذلك يُساعد المريض على إعادة بناء نمط حياة بعيد عن الإدمان.

الرعاية بعد التعافي

إدمان جزء منه “مرض مزمن” كما تقول المصادر؛ لذا فإنّ الانتكاس ممكن، والمتابعة ضرورية حتى بعد خروج المريض من مركز العلاج. (70x7wm.com)

إعداد خطة للوقاية من الانتكاس

ناقش معها مسبقاً كيف سيتعامل مع الضغوط، أو دور تمكين أو حكم ذاتي عند شعوره بالرغبة أو الانتكاس. هذه الخطة يجب أن تكون مشتركة بين المريض والعائلة.

ماذا تفعل إذا رفض المدمن العلاج؟

قد يرفض أحباؤنا الاعتراف بالمشكلة أو العلاج، وهذا ما يجعل الأمر معقّداً وحساساً. إليك ما تُوصي به الخبرات:

  • ركّز على نفسك أولاً: احرص على صحتك النفسية والجسدية، فالعجز أو الانهيار لا يساعد أحداً.
  • تذكّر أنّك لا تُريد معاقبته، بل مساعدته — الإدمان ليس خياراً بحتًا وإن بدا كذلك أحيانًا. (FHE Health)
  • احصل على معلومات: كلما كنت ملمًا بطبيعة الإدمان، قلت أخطاؤك في التصرف وردود فعلك العاطفية.
  • اشجع بلطف: يمكن أن تقول “أنا أساعدك إذا قرّرت أن تبدّل” بدلاً من التهديد أو العقاب.
  • الصبر ثم الصبر: ربما لا يستجيب اليوم، لكن نبرة ثابتة وداعمة قد تفتَح بابًا لاحقًا.

دور المؤسسة العلاجية: مثال “كلينيك ليز ألب”

عندما تُقرر الأسرة والمريض المضي قدماً في العلاج، فإن اختيار مركز موثوق يُعدّ خطوة أساسية. بعض المراكز مثل «كلينيك ليز ألب» تعتمد على مبادئ احترافية تشمل:

  • تقييم شامل نفسي وجسدي قبل بدء البرنامج
  • سحب السموم بإشراف طبي
  • علاج سلوكي معرفي، دعم نفسي، العلاج الدوائي عند الحاجة
  • إشراك الأسرة في جلسات علاجية وتوعوية
  • متابعة ما بعد الخروج من المركز لتقليل خطر الانتكاس

هذه المنهجية القائمة على الشمولية تجعل من مركز التأهيل بيئة داعمة لا محيط ضغط إضافي على المريض أو عائلته.

ملاحظات ختامية: مفاتيح لنجاح المسار

  • العلاقة أهم من النتائج الفورية: قول الحقيقة بلطف أفضل من إنكار الواقع أو الامتناع عن الحديث.
  • ضع حدودًا بوضوح: دعمك لا يعني تحمّل كل الأفعال أو الغفران غير المشروط — بل يعرف متى تقول لا. (FHE Health)
  • العائلة فكرة كبيرة ليست فقط “صامدة”: تحتاج إلى انعاش وتثقيف ومجموعات دعم متنوعة.
  • ابقَ على تواصل مع المريض، ولا تنسَ نفسك: فدورك الفردي هو مرافق الرحلة وليس بديلاً عنها.
  • العلاج ليس نهاية، بل بداية: المتابعة، التعلّم، إعادة بناء العلاقات، كلها تتطلب وقتاً.

أسئلة شائعة مختصرة

كم يحتاج مدمن للتعافي؟
تعتمد المدة على نوع المخدّر، درجة الاعتماد، الحالة النفسية والجسدية. بعض المسارات تبدأ اثناء 3 أشهر، لكن غالبًا تكون عملية تستمر لفترات أطول.
من هو المتعافي؟
هو من استطاع أن يعيش بدون تعاطٍ أو سلوك مضر، وتبنّى حياة مستقرة على المديْن المتوسط والبعيد.
ماذا لو انتكس؟
ليست هزيمة نهائية، فالانتكاس جزء من بعض المسارات. الأهم هو العودة فورًا إلى الدعم والرعاية، وليس الانكفاء أو اللوم.

الختام

إنّ دعم الأسرة ليس رفاهيّة أو خيارًا إضافيًا، بل عنصرٌ مركزي في رحلة التحول من الإدمان إلى التعافي. بوجود تواصل صادق، حدود صحية، صبر، ووعي دائم بأنّ “الإدمان مرض” — يمكن للأسرة أن تتحوّل من مسرح للمعاناة إلى شريك حقيقي في الشفاء. ولأنّ التحوّل يبدأ اليوم، فإنّ اتّخاذ أول خطوة — حتى لو كانت مجرد محادثة ودودة — قد يكون الفرق بين الانزواء والعودة إلى حياة أكثر صحة وانسجامًا.

Scroll to Top