العرب الرقميون: كيف غيرت وسائل التواصل شبابنا بين الإدمان والتمكين؟

عندما تعلن منصة “سناب شات” أن السعودية تحتل المرتبة الأولى عالمياً في تفاعل المستخدمين، وعندما ترى شاباً عربياً يمسك هاتفه قبل أن يفتح عينيه تماماً، فأنت أمام ظاهرة تستحق التساؤل: هل أصبحنا أمة متصلة أم أمة مدمنة؟

مشهد رقمي مذهل

تشير الأرقام إلى أن المنطقة العربية هي من بين الأعلى عالمياً في استخدام وسائل التواصل. لكن ما وراء هذه الإحصاءات تكمن قصة جيل يعيش بين عالمين: عالم افتراضي يمنحه الأجنحة، وآخر يفرض عليه القيود.

يقول أحمد (٢٤ سنة) من القاهرة: “أفتح عيني على الواتساب، وأتفحص الإنستغرام أثناء الفطور، وأتابع اليوتيوب في الطريق للعمل، وأنهي يومي بتصفح تيك توك. حياتي كلها على الشاشة”.

هذه ليست حالة فردية، بل هي واقع يعيشه ملايين الشباب العربي. فحسب استطلاع الرأي العربي الشاب ٢٠٢٣، يعترف ٧٤٪ من الشباب العربي بأنهم يعانون من صعوبة في الانفصال عن منصات التواصل.

الوجه المشرق: قوة الاتصال والتمكين

لا يمكن إنكار الإيجابيات الكبيرة لهذه الثورة الرقمية:

  • كسر حواجز الجغرافيا: أصبح الشاب في الخليج يتحدث مع صديقه في المغرب بلمسة زر، وتشارك العائلات الممتدة لحظاتها عبر مجموعات الواتساب العائلية.
  • مكتبة معرفية مفتوحة: يقول الدكتور خالد العبسي، أستاذ الإعلام الرقمي: “اليوتيوب وحده أصبح أكبر جامعة مفتوحة للشباب العربي. يتعلمون اللغات، المهارات، وحتى التخصصات العلمية النادرة”.
  • منصة للتعبير: وجد الشباب العربي في المنصات الرقمية مساحة للتعبير عن آرائهم ومواهبهم، بعيداً عن القيود التقليدية.

الوجه القاتم: عندما يتحول الاتصال إلى إدمان

لكن behind كل هذه الإيجابيات، تكمن مخاطر حقيقية يعاني منها الجيل:

  • مقارنات مستمرة: تقول سارة (٢٢ سنة) من الأردن: “أقضي ساعات أتأمل حياة الآخرين على الإنستغرام، أشاهد سفرهم، سياراتهم، حفلاتهم. ثم أنظر إلى حياتي البسيطة وأشعر بالإحباط”.
  • القلق والاكتئاب: حسب الاستطلاع نفسه، يعتقد ٦١٪ من الشباب العربي أن إدمانهم على وسائل التواصل يؤثر سلباً على صحتهم النفسية.
  • حلم التأثير: في مفارقة صارخة، بينما يعترف الشباب بآثار الوسائل السلبية، فإن ١٣٪ منهم يتمنون أن يصبحوا مؤثرين على وسائل التواصل، مما يطرح تساؤلات عن قيم الجيل الجديد.

كيف نصنع توازناً في عالم رقمي؟

يقترح الخبراء عدة حلول:

  • تحديد أوقات استخدام: وضع فترات رقمية خالية من الشاشات، خاصة خلال الاجتماعات العائلية وقبل النوم.
  • الوعي بالنفس: كما تقول الأخصائية النفسية د. لمياء السعدون: “علينا أن نذكر أنفسنا باستمرار أن ما نراه على المنصات ليس إلا لوحة مختارة بعناية، وليست الحياة بكاملها”.
  • استعادة السيطرة: استخدام تطبيقات المراقبة التي تخبرك بعدد ساعات استخدامك اليومية.

مستقبل أكثر توازناً

تبذل العديد من الحكومات والمبادرات المجتمعية جهوداً لمواجهة هذه التحديات، مثل مبادرة الإمارات لمكافحة التنمر الإلكتروني، وجائزة إبداع للإعلام الشبابي.

الخلاصة: اتصال بلا انقطاع عن الواقع

الوسائل الرقمية أصبحت واقعاً لا مفر منه، لكن التحدي الحقيقي هو كيف نستمتع بمزاياها دون أن نقع في فخ إدمانها. كيف نستخدمها كجسر للتواصل، لا كحاجز يعزلنا عن العالم الحقيقي.

كما يقول المثل العربي: “خير الأمور أوسطها”

رابط استطلاع الرأي العربي الشاب ٢٠٢٣
منظمة الصحة العالمية – الصحة النفسية والرقمنة

Scroll to Top