في عالم الفنّ، غالبًا ما يكتشف الجمهور بزوغ نجم يخرج من الشاشات بهدوء، ثم يفرض نفسه خطوة بعد أخرى. تسنيم مطر، تلك الممثلة الشابة التي لا تحب الكتمان، جاءت لتعلن عن طموحٍ، جرأة، وشغف في الفنّ لا يخشى التجربة. في اللقاء مع برنامج «الستات ما يعرفوش يكدبوا» على شاشة CBC، أكّدت أنها لا ترفض دورًا إذا رأت فيه فرصة للنمو، وأظهرت احترامًا كبيرًا لممثلتها المفضلة سعاد حسني، بل واعتبرتها قدوة.
في هذا المقال، نغوص في تصريحاتها، نستعرض محطات من مشوارها، نتقصّى آفاقها المستقبلية، ونحاول فهم كيف تُشبك بين الجرأة والاحتراف، بين الحلم والواقع.
البداية والقلق على الطاولة
في الحلقة التي ظهرت فيها، قالت تسنيم إنها خاضت عدّة اختبارات أداء (أوديشِن) أمام عدد من المخرجين، وإنها شعرت في البداية “بتوتّر”، لكنه تحوّل سريعًا إلى تفاعل مع المشهد وإيصال مشاعر الشخصية المطلوبة — وأضافت أن التمثيل “ليس مجرد حركات أو انفعالات، بل يعتمد على الهدوء والتعبير بالعينين، والمشاعر الصادقة”.
هذا التعبير عن التمثيل كـ “فن داخلي” يشير إلى وعيها بأن الممثل لا ينقل المشاعر بالقوة فقط، بل بالتلقائية والانفعال الداخلي المقنّع بالحكمة. ردّ فعل فريق العمل في أول اختبار منحها ثقة، كما قالت، وساعدها على تخطّي رهبة الكاميرا.
هذا الموقف يُظهر أن تسنيم ليست من أولئك الذين يضعون الأنا في المقدمة — بل إنّها تدرك أن الطريق إلى قبول الدور يمرّ عبر القبول بالخرافات الصغيرة والخوف من البدء، لكنها تختار ألا تستسلم لهما.
القدوة سعاد حسني: الطفلة، الناضجة، والأسطورة
من بين ألف فنانة يمكن أن تختارها، اختارت تسنيم سعاد حسني قدوة لها. قالت عنها إنها تمثل “المرأة التي جمعت بين الطفلة والأنثى الناضجة في آن واحد”. وتشير إلى أن فيلم صغيرة على الحب هو من الأعمال التي تراها تمثّل في جمالية ذلك التمازج — البراءة، الطفولة، والنضج في مقاربة فنية.
اختيار هذه القدوة ليس عبثًا: سعاد حسني كانت تُجسّد أدوارًا متنوعة، انتقلت بين الكوميديا، الدراما، الحب، وحتى الفانتازيا، واحتفظت بأناقتها الخاصة، ولم تغِب عن ذاكرة الجمهور. بقول تسنيم ذلك، تُعلن أنها لن تكتفي بالأدوار المتكرّرة، بل تسعى إلى تعدد في الأسلوب والشخصيات.
المشروعات والنماذج: من “وبينا ميعاد” إلى “الإسكندراني”
لدى تسنيم تاريخ فني لا بأس به من المشاركات التي شهدت تطورها:
- في مسلسل “وبينا ميعاد”، جسّدت دور ليلى المتمردة، امرأة شابة ترى أن الخروج من تحت بَظْل التربيّة والتقاليد أمرٌ ضروري — لكنها في الوقت ذاته لا تخشى أن تُستفز الجمهور. وكما قالت في أحد اللقاءات، “ليلى تختلف كثيرًا عنها في الحقيقة، لكن يوجد في الشخصية بعض من التمرد كما يوجد في كثير من الشباب”. بوابة اخبار اليوم+2Al-Masry Al-Youm+2
- في فيلم الإسكندراني، تعاونت مرة أخرى مع المخرج خالد يوسف، وقالت إنه يُعدّ من التجارب المهمة التي أظهرت موهبتها التمثيلية بشكل كبير، وإن العمل مع المخرج كان داعمًا لفريق العمل كله. موقع نبض
- كشفت أيضًا تفاصيل صعبة لمشهد اغتصابها في “الإسكندراني”، مشيرة إلى أن المخرج كان يطمئنها بأنها لن تُعرض لأي شيء خارج سياق العمل، وأنها رأت في الدور فرصة خوض تجسيد درامي جديد ومختلف. موقع نبض
- مشاركتها في أعمال جديدة أيضًا، مثل مسلسل “في رواية أحدهم ورد وشوكولاتة” إلى جانب محمد فراج وزينة، تؤكّد استمرارها في توسيع قاعدة تجاربها الفنية. القاهرة 24
بهذه الأعمال، تسنيم تتدرج من أدوار التمرد إلى أدوار تحمل وقعًا دراميًا أكبر، رغبة منها في بناء سجل متنوع يُثبت أنها ليست مجرد وجه جميل أو منتخب للميلودراما فحسب، بل ممثلة تبحث التحدي.
الموسيقى والتمثيل: تكامل طبيعي
تسنيم لم ترَ أن التمثيل يكتفي بالديالوغ والحركة وحدها، بل تربط مهاراتها الموسيقية بما تفعل على الشاشة. في الحوار، ذكرت أنها درست في كلية تربية نوعية قسم موسيقي، وأنها تعزف على آلة البيانو منذ الصغر.
هذا الربط بين الموسيقى والدراما يفتح أفقًا لتقديمها في أدوار موسيقية، أو أفلام تتناول الفن كجزء من الحبكة، أو أدوار تتطلب الأداء الغنائي أو العزفي. تقول إنها تحلم بأن تكون “فنانة شاملة تجمع بين التمثيل والغناء والعزف”، مع التأكيد على الاعتماد على الذات والتعلم من كل تجربة.
هذا الطموح ليس بعيدة عن الواقع بالنسبة لفنانة تحمل موهبة موسيقية إلى جانب التمثيلية — وهو ما يجعلها قابلة للتكيّف في مجالات متعددة في المشهد الفني المتغير بسرعة.
التحدي والجرأة: كيف تختار وتجرب؟
من بين أبرز ما قرّرت أن تُعلن عنه تسنيم هو أنها لا ترفض أي تجربة فنية تُعرض عليها طالما وجدت أن الدور مختلف ويضيف إلى رصيدها. تقول: “كل تجربة تجعلها أكثر نضجًا وتطورًا في التمثيل، وأداءها يتحسن كل مرة عن السابقة بفضل الاحتكاك والخبرة.”
هذا الخطاب تكشف فيه أنها لا تسعى إلى الكمال بين ليلة وضحاها، بل تؤمن بأن النضج يأتي تدريجيًا — من الدور الصغير إلى الأدوار المعقّدة، من اللحظات التي تمرّ دون أن يلحظها الجمهور، إلى اللحظات التي تترك بصمة في الذهن.
كما تقول إن المخرج من حقه أن يرى الفنان في أدوار متنوعة، لا أن يُقيّده بالصور التي اشتهر بها فقط. هذه النظرة تُفرِض احترامًا للمخرج وتوازنًا في علاقة العمل، فهي لا تُطالب فقط بأن تؤدّي، بل تطالب بأن تُمنح فرصًا للاختبار والتجديد.
حجم المخاطرة والقضايا التي تواجهها
لكل فنان صاعد مخاطر عديدة، وتسنيم ليست استثناء. بعض التحديات التي قد تعترض طريقها:
- القفز إلى أدوار كبيرة جدًا بسرعة قد يعرضها لانتقادات أن الأداء ليس ناضجًا بعد.
- الإغراء بالبقاء داخل “النوع الآمن”، أي أدوار الفتاة الجميلة أو البسطة، ما قد يُحد من تنوعها الفني.
- التقبّل الجماهيري: عندما يربط الجمهور صورة فنانة بدور معيّن، قد تواجِه صعوبة في قبولها في أدوار غير متوقعة.
- الضغط التنموي: أنها تُعلن “لن أرفض أي تجربة” يُملي عليها أن تُقدّم أكثر مما تتحمل في بعض الأحيان.
- التوازن بين المجال الموسيقي والتمثيلي: إن قرّرت خوض التجربة الغنائية أو الموسيقية، ستواجه مقارنة مع فنانات مختصات في الغناء، وقد يُطرح السؤال: هل عليها الاجتهاد في كل المجالات؟
ولكن من جانب آخر، الجرأة في قبول أدوار مختلفة هي ما قد يميّزها ويمنحها مكانة فريدة في الوسط، وليس كل فنان يملك هذه الرغبة في التغيير.
كيف تنظر إلى المستقبل؟
من المؤكَّد أن تسنيم مطر تسير على درب الفنانة التي تُصنع نفسها بيدها. إذا استمرّ هذا الحماس والتصميم، فقد تراها خلال سنوات قليلة بين الأسماء التي لا يُمكن تجاوزها في الدراما والسينما.
ربما ستختار دورًا مركبًا، ربما تجارب خارج التمثيل — قد تغني، قد تكتب موسيقى لفيلم، أو تتعاون مع مخرجين جريئين يفتحون لها أبوابًا جديدة. والأهم أنها استعادت في حديثها روح المغامرة، وأنها لا تخشى أن تقول “نعم” عندما ترى في العمل ما يُحفّزها، أو “لا” إذا كان يُكرّر نفسها بلا تجديد.
مسيرة مبكرة وتراكم الخبرات
تسنيم مطر بدأت خطواتها الفنية منذ صغرها، ولذلك تمتلك سجلًا مبكرًا من الأعمال، رغم أنها لا تزال شابة في السنّ. في حوار صحفي، قالت إنها دخلت التمثيل في سن مبكرة بفضل علاقات عائلية مع منتجين محليين، وإنها اكتسبت خبرة “كما لو أنني درست التمثيل” حتى وإن لم تلتحق بمعهد متخصص بالكامل في بداياتها. بوابة اخبار اليوم
وفي تصريح آخر حول مشاركتها في مسلسل “وبينا ميعاد”، قالت إنها خضعت لاختبار أداء أمام المؤلف والمخرج هاني كمال، ولم تكن تتوقع ردود الفعل الجارفة التي تلقتها على دور “ليلى” — وأضافت أنها خشيت أن يعترض الجمهور على شخصيتها المتمردة، لكنها سارَعت إلى مواجهة ذلك بثقة. Al-Masry Al-Youm+1
الشخصية “ليلى” بحسبها تحتوي على “تمرد” لكن ليس بحدود التخطي، بل هي تمرد في إطار واقعي — وهي تؤكّد أنها ليست متطابقة تمامًا معها في الحياة، لكن هناك نقاط تلاقٍ في جوانب معينة. بوابة اخبار اليوم+1
من الملاحظ أيضًا أن تسنيم اختارت أن تبدأ من أدوار ليست سهلة، بل أدوار تحمل تحديًا من حيث التمرد أو الصدام الأسري أو ولوج عالم المراهقة المعقّد. هذا اختيار غير مألوف للفنانة الصاعدة التي قد تميل إلى الأدوار الآمنة، لكنه يعكس رغبتها في بناء بُعد فني أقوى من مجرد الظهور.
“الإسكندراني” وكواليس المشهد الصعب
من بين أبرز محطات تجربتها الفنية، مشاركتها في فيلم الإسكندراني بجانب النجم أحمد العوضي وتحت إدارة المخرج خالد يوسف. في عدة لقاءات، قالت تسنيم إن الفيلم أظهر “قوتها كممثلة” واصفة العمل بأنه كان متكاملًا بنسبة كبيرة، وإن العمل مع خالد يوسف كان تجربة ممتعة ودعماً كبيراً للفريق بأكمله. موقع نبض+2موقع نبض+2
كشفت في حديث أنها خاضت مشهد اغتصاب ضمن الفيلم، وأكدت أن المخرج طمأنها أنه لن يُعرض منها شيء خارج سياق العمل، وإنها اختارت الدور لأنه “جديد” عليها ويطلّب منها أن تبذل جهدًا لتجسيده. موقع نبض
كما صرّحت أن هذا النوع من الأدوار الصعبة يُعدّ اختبارًا حقيقيًا للممثل، ويحتاج إلى قدرة على مواجهة مشاعر متصارعة داخليًا، والوثوق بالمخرج والطاقم أن يُدار المشهد بحسّ فني لا يطغى على الأداء أو يوقعها في فخ التمثيل المبالغ فيه.
تنويع في التمثيل … لا متمردة فقط
رغم أن دور “ليلى” يُبرز جانب التمرد في شخصيتها، إلا أن تسنيم أوضحت في حوار صحفي أنها ليست متمردة في الحياة بالمعنى الحاد، بل أنها تميل إلى التفاهم والنقاش مع من حولها، وتفضل الحوار على الصدام. بوابة اخبار اليوم
كما أنها تتابع الاتجاه الدرامي الاجتماعي والعائلي، وتعتقد أن هذا النوع من الدراما مهم لأنه يجمع العائلة حول شاشة مشتركة، ويُناقش مشاكل واقعية من داخل البيوت، ويساعد على توطيد الفهم بين الأجيال. بوابة اخبار اليوم+2بوابة اخبار اليوم+2
هذه النظرة تُظهر أن لديها حسًّا بتمثيل الجمهور، أنها لا تمثل فقط لنفسها أو لذاتها، بل تدرك أن لكل دور رسائل وتأثيرات ممكن أن تكون إيجابية أو محاورة للواقع.
الموسيقى كحساس إضافي … جمع بين الصوت والحركة
كما ذُكر في حديثها، تسنيم درست في كلية تربية نوعية، في قسم موسيقي، وتعلّمت العزف على البيانو منذ الصغر. هذا الجانب الموسيقي يمكن أن يكون أداة فنية قوية في أدوار مستقبلية تتداخل فيها الموسيقى والتمثيل.
هذه الخلفية تمنحها حسًا موسيقيًا قد يساعدها في ضبط الإيقاعات الداخلية للدور، في فهم الصمت، الإيقاع الحواري، الإحساس بالمساحة الصوتية والوقوف أمام الكاميرا، لأنها ليست مجرّد ممثلة بل فنانة تجمع عناصر متعددة.
التحدي والإصرار: رؤية للمستقبل
من خلال تصريحاتها، يظهر أنها لا تغلق الباب أمام أي فرصة فنية جديدة، طالما أن الدور يُضيف إلى رصيدها، ويُظهر جوانب مختلفة من قدراتها. بهذا الموقف، تُظهر أنها تستعد لتجارب قد تكون أكبر وأعنف، وربما مخاطر في أدوار غير محسوبة بالكامل، لكنها مستعدة لها بالحماس.
يتطلّع المشاهد إلى رؤيتها في أدوار مركّبة قد تمزج بين الدراما النفسية، الأدوار الاجتماعية التي تتطلب أداءً داخليًا، وربما أدوار تتطلب العنصر الغنائي أو الموسيقي. إذا استمرت على هذا النهج، قد تصل إلى أن تُؤدي دور البطولة في أعمال قوية تجمع بين الجمهور والنقاد.
لكن تبقى المسألة في التوازن: أن تختار الأدوار التي تُبرزها دون أن تُجهد نفسها أو تُدخل الجمهور في مقارنة مستمرة. وأن تضمن أن كل تجربة تستفيد منها، حتى لو لم تنجح بالكامل، فإنّ الخبرة الذاتية، التعلّم من الأخطاء، تطوير الذات، كلها ستكون وقودًا لمسيرتها المستدامة.