دخان الخليج: بين التقاليد والتحديات الصحية

في شوارع المدن الخليجية — من الكورنيش إلى المقاهِي الشعبية — تتشابك أنابيب الشيشة، ويتبادل الشباب السجائر أو “المدوخة” (midwakh)، كأنها طقس يومي لا يثير الانتباه كثيرًا. لكن خلف هذا المشهد الاجتماعي الدافئ، تكمن أرقام ومضاعفات صحية واقتصادية تصنع أزمة كبيرة. في هذه المقالة، نفكك ملامح هذا الواقع: نسبة المدخنين، الفوارق بين الدول، الثقافة المحيطة به، القفزة في استخدام الفيب، والمساعي الحكومية لكبح التدخين.

الانتشار والديموغرافيا: أين يقف الخليج؟

أعلى المعدلات في الرجال

تشير دراسة نشرت في مجلة Tobacco Induced Diseases إلى أن أعلى نسبة تدخين بين الرجال في دول مجلس التعاون تظهر في الكويت (40.5٪) تليها الإمارات (34.9٪) والبحرين (33.2٪). في المقابل، سلطنة عُمان سجّلت أقل نسب للتدخين بين الرجال (14.2٪) وبين النساء (0.6٪). (tobaccoinduceddiseases.org)
وبحسب إحصائيات من منظمة الصحة الإقليمية، فإن استخدام التبغ بين البالغين (≥ 15 سنة) في دول الخليج يتراوح بين 9.6٪ في عُمان إلى حوالي 25.1٪ في البحرين. (emro.who.int)

كما أن عدد المدخنين من الأطباء في دول الخليج أعلى مما هو معتاد في بعض الدول الغربية، مما يعكس مدى التغلغل الاجتماعي للتدخين حتى في صفوف المهن الصحية — وهو ما يثير تساؤلات حول المصداقية والقدوة في مجال الصحة.

الاختلافات بين الدول

  • في الكويت والإمارات، تظهر إحصائيات أن معدلات التدخين بين الذكور هي من الأعلى في المنطقة، بينما هناك دول مثل عُمان تظهر هدوءًا مبدئيًا في هذا المجال.
  • لكن حتى في الدول التي تبدو “أقل تدخينًا” قد تكون الأرقام مخفّفة أو غير مكتملة، مع وجود شتّى أنواع التبغ والمنتجات البديلة التي قد لا تُحتسب دائمًا.

الثقافة الاجتماعية للتدخين: أكثر من عادة صحية

التدخين كشأن اجتماعي

الشيشة ليست مجرد تدخين في الخليج، بل مناسبة اجتماعية، جلسة صديق، تلاقي في مقهى، وغالبًا ما تُقدَّم في الأمسيات وسط القهوة والحديث. في أسواق مثل سوق واقف (الدوحة)، ترى المقاهي المزدحمة بأنابيب الشيشة ليلاً. (Gulf Times)
لكن دراسة في الإمارات وجدت أن حوالي 30٪ من السكان في الفئة العمرية 22-44 يدخنون الشيشة، علماً أن كثيرين منهم لا يعتبرون أنفسهم “مدخنين” بالمعنى التقليدي للسجائر. (Gulf News)

من الأسباب التي يذكرها المختصون: التأثير العائلي الاجتماعي. كثير من المدخنين يقولون إنهم بدأوا ممارسة الشيشة بفضل عائلاتهم أو الأقارب، ممن يرونها “جزءًا من التقاليد”. (Gulf News)

المنتجات التقليدية: الشيشة والـ “مدوخة”

إلى جانب السجائر، تُعتبر الشيشة (النرجيلة) من أبرز أدوات التدخين في الخليج. يعتمد كثيرون عليها لأنها تُعد “التدخين اللطيف” بفضل مرور الدخان عبر الماء — لكنها في الواقع تحمل مخاطر كبيرة موازية للسجائر أو تفوقها في بعض الحالات. (Gulf News)

بالإضافة إلى الشيشة، هناك منتج فريد شائع في الإمارات وبعض دول الخليج اسمه مدوخة (midwakh / dokha)، وهي على شكل غليون صغير يحوي خليط تبغ مركّز يُشَم (inhaled) بسرعة.
إحدى الدراسات على طلاب الجامعات في الإمارات وجدت أن نسبة مستخدمي المدوخة تقدر بـ 7.2٪ بين المدخنين، وهي أكثر استخدامًا من بعض المنتجات الأخرى في تلك الفئة. (PMC)
كما أشار تحليل أدبي إلى أن بعض طلاب الطب في السعودية يبلغ عدد من يدخنون المدوخة حوالي 7.9٪. (PMC)

الفيب (السجائر الإلكترونية) — القفزة الجديدة

على وقع التحولات العالمية نحو بدائل التبغ، تشهد دول الخليج انتشارًا سريعًا في استخدام الفيب (السجائر الإلكترونية). دراسة حديثة بين طلاب الجامعات في عدة دول عربية أظهرت:

  • في الإمارات، 39.6٪ من الطلاب يستخدمون الفيب — الهدف الأكثر شيوعًا بين منتجات النيكوتين في المنطقة. (The National)
  • في الكويت: نحو 24.2٪
  • في الأردن: 20.5٪
  • في السعودية ومصر، النسب أقل مقارنة بالدولة الإماراتية. (Frontiers)

كما كشفت الدراسية أن التعامل المزدوج (استخدام الفيب مع التدخين التقليدي أو النرجيلة) ليس نادرًا، بل يمثل سلوكًا شائعًا بين بعض المستخدمين. (Frontiers)
في مراجعة أدبية أيضاً وجدت أن استهلاك المنتجات البديلة للتبغ (ATPs) مثل الفيب والـ midwakh يتزايد، لكن الكثير من المستخدمين لا يلجؤون إليها كوسيلة للإقلاع عن التدخين، بل كمكون إضافي. (PMC)

التأثيرات الصحية والمخاطر

أمراض القلب والرئة

في قطر، أُجريت دراسة تربط بين تدخين الشيشة وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب. أظهرت أن الأشخاص الذين يدخنون الشيشة فقط لديهم احتمال أكبر بـ1.65 مرة للإبلاغ عن أمراض القلب مقارنة بالذين لا يدخنون. (Gulf Times)

تشير مصادر محلية إلى أن كثيرًا من المدخنين يعتقدون خطأ أن “الشيشة أقل ضررًا من السجائر” بسبب مرور الدخان عبر الماء، لكن هذا المفهوم خاطئ، إذ تُنتج الشيشة مستويات عالية من أول أكسيد الكربون ومواد مسرطنة. (Gulf News)

السرطان وأنواع الأمراض المزمنة

في دراسة متخصصة حول حالات السرطان المنسوبة للتدخين في دول الخليج لعام 2018، وُجد أن التدخين يساهم بشكل كبير في نسب الإصابة بسرطان الرئة، الحنجرة، البلعوم، وغيرها من الأورام. (tobaccoinduceddiseases.org)
كما أن عبء التدخين والضرر من دخان الآخرين يُقدّر بمليارات الدولارات سنويًا في تكاليف الرعاية الصحية والوفيات المبكرة في الخليج. (emro.who.int)

السياسات والتدابير التنظيمية: من القوانين إلى التطبيق

الإمارات: تشديد القيود

  • في الإمارات، يحظر التدخين داخل الأماكن المغلقة، ويُعامل الفيب مثل السجائر العادية. يُمنع بيع التبغ لمن هم تحت 18 عامًا، وتفرض العقوبات بدءًا من 15,000 درهم في حالات بيع للأطفال. (Gulf News)
  • يُطلب أن تكون مقاهي الشيشة على بعد 150 مترًا على الأقل من المدارس، المساجد، والمناطق السكنية. في دبي، تجارة الشيشة ممنوعة في الشواطئ والحدائق العامة، ولا يُسمح بدخول النساء الحوامل إلى بعض المقاهي بشروط. (U.AE)
  • التبغ ومنتجاته خاضعة لضرائب خاصة (excise tax) لرفع الأسعار وتقليل الاستهلاك. (U.AE)
  • من جهة التشديد المستقبلي، تُخطط السلطات الإماراتية لتطبيق حظر كامل على أنواع التبغ مثل الشيشة والـ midwakh ضمن قانون اتحادي جديد. (Gulf News)

الخليج عمومًا: اتجاهات متشابهة ولكن مع تحديات

  • قانون اتحادي في بعض دول الخليج يحظر بيع المنتجات التبغية للأحداث ويقيد الأماكن التي يُسمح فيها بالتدخين. (emro.who.int)
  • مبادرات مثل تسجيل منتجات الشيشة لتحديد مكوناتها والتحكم بها بدأتها الإمارات، لتقليص التلوث والتأكد من الكشف عن المكونات الضارة. (Gulf News)
  • بعض الخبراء يدعون لتشديد القيود على المقاهي التي تقدم الشيشة في الأماكن العامة، مع فرض تحذيرات صحية، وتقييد ساعات التشغيل، وفرض العقوبات الرادعة. (Gulf Times)
  • التحدي الأكبر هو تطبيق القوانين بشكل فعّال، والتغلب على القبول الاجتماعي أو النفور من التشديد المفرط.

إليك مقارنة مفصّلة بين أوضاع التدخين والقيود التنظيمية في السعودية، الإمارات، وقطر، بناءً على المصادر المتاحة حتى الآن، مع تسليط الضوء على الفوارق في القوانين، المراقبة، والتطبيق:

🇸🇦 السعودية: تشديد متزايد وسط التحدّيات

التشريعات الحالية واللوائح

  • منذ عام 2012، أصدر وزير الداخلية أمرًا ملكيًّا بحظر التدخين في المباني الحكومية والمناطق المغلقة، شمل ذلك الشيشة في بعض الأماكن. (saudiembassy.net)
  • في 6 يونيو 2016، دخل حظر التدخين في ثمانية أماكن عامة حيز التنفيذ رسميًا، منها المدارس، المستشفيات، الأماكن الرياضية، المقاهي، النقل العام، والمصانع. (Al Arabiya English)
  • يُحظر أيضًا بيع التبغ لمن هم دون 18 عامًا، ويُمنع استخدام آلات البيع (vending machines) لبيع السجائر. (saudigazette)
  • في المسألة العقابية، يُفرض على من يُخالف الحظر غرامة قدرها 200 ريال سعودي في المرة الأولى، مع إمكان تصعيد العقوبة في المخالفات المتكرّرة. (Tobacco Control Laws)
  • على المُنشآت التي يُمارَس فيها الحظر أن تضع لوحات تحذيرية واضحة بخطيْن (العربية والإنجليزية). الذين لا يضعون هذه اللوحات قد يُغرّمون بما يصل إلى 5,000 ريال سعودي. (Tobacco Control Laws)
  • مؤخرًا (2025)، اقترحت وزارة البلديات السعودية حظر بيع منتجات التبغ في محلات البقالة والمقاهي الصغيرة، وجعل التبغ مخفيًا من العرض في المتاجر. (Gulf News)
  • أيضاً، تم حظر افتتاح محلات التبغ داخل مسافة 500 متر من المساجد والمدارس. (The Times of India)

التطبيق والمراقبة

  • في جدة، أُغلقت عشرات المطاعم والمقاهي لمخالفةها حظر الشيشة في الأماكن المغلقة، وتم فرض غرامة 600 ريال على بعض المنشآت. (Gulf News)
  • يُطلب من الجهات الإدارية التحقّق من التزام المؤسسات والعاملين بها بعدم إشعال السجائر في الأماكن المحظورة. (saudigazette)
  • في الممارسات اليومية، بعض الناس يشكّكون في فاعلية تطبيق القانون بالكامل، خصوصًا في المقاهي التي لا تزال تتيح “مساحات للتدخين الداخلي” في بعض الفروع، بحسب تجارب مستخدمين ومناقشات عبر الإنترنت. (Reddit)

التحديات والانتقادات

  • بعض المواطنين يعتبرون أن الحظر على التدخين في الأماكن المفتوحة أو القريبة من المساجد يحد من “حرية الفرد”. (saudigazette)
  • ما زال هناك خلاف حول مدى صرامة التشريعات وتنفيذها في المناطق النائية أو في بعض المقاهي الشعبية.
  • التشريعات الجديدة المقترحة (مثل حظر البيع في المتاجر الصغيرة) ما تزال قيد النقاش في الشارع، وقد تواجه مقاومة من أصحاب المحال والتجار.

🇦🇪 الإمارات: سياسة صارمة وتطبيق جاد

القوانين والتشريعات

  • في الإمارات، يُعامل الفيب (السجائر الإلكترونية) مثل التبغ التقليدي من حيث القيود في الأماكن العامة.
  • يُحظر التدخين في الأماكن المغلقة، ويُطلب من المنشآت أن تقيّد ذلك وفق اللوائح المحلية.
  • بيع التبغ لمن هم دون 18 سنة ممنوع رسميًا، وهناك فرض ضرائب على منتجات التبغ لتقليل الاستهلاك.
  • في إمارات مثل دبي، يُطلب من مقاهي الشيشة أن تكون في أماكن محددة ومخصصة، ويُمنع تشغيلها في الأماكن العامة المغلقة التي لا ترخصها البلدية.

التطبيق والفعالية

  • مراقبة صارمة في المطاعم والمراكز التجارية، حيث تُضبط المخالفات وتُغلق المنشآت غير الالتزامية.
  • الإعلانات الترويجية للتبغ ممنوعة أو محظورة بشدة.
  • في السياحة، لا يُسمَح بالتدخين في الفنادق والمرافق السياحية المغلقة، وبعض الفنادق تخصص “غرف شاиша” منفصلة أو مناطق مخصصة بعيدة عن الأماكن العامة.

التحديات

  • رغم القوانين، يُلاحظ انتشار منتجات الفيب بين الشباب والمراهقين في الإمارات، مما يُشير إلى ضرورة تشديد الرقابة على استيراد الموجّهات الرقمية والترويج الإلكتروني.
  • بعض المقاهي قد تحاول الالتفاف على اللوائح من خلال تقسيم المساحات أو استخدام تهوية مشكّلة لتخفيف الرصد.

🇶🇦 قطر: حظر رغم التحديات في التطبيق

التشريعات السارية

  • القانون رقم 10 لعام 2016 في قطر يُحظر استيراد وبيع التبغ، الشيشة، والسجائر الإلكترونية علنًا، وكذلك منتجات مثل “Sweika” (نوع من التبغ الممضوغ). (Global State of Tobacco Harm Reduction)
  • التدخين ممنوع في الأماكن المغلقة العامة، مثل المدارس، المستشفيات، المطاعم، الوزارات، الفنادق، المصانع، والمراكز التجارية. (Global State of Tobacco Harm Reduction)
  • الغرامات على مخالفة التدخين في الأماكن المحظورة تتراوح من 1,000 إلى 3,000 ريال قطري. (Global State of Tobacco Harm Reduction)

الواقع الميداني والتحديات

  • رغم الحظر، يُشار إلى أن الأجهزة الإلكترونية مثل الفيب موجودة وواسعة الاستخدام، بسبب ثغرات في التشريع (القانون يمنع البيع، لكن لا يمنع الامتلاك). (The Peninsula Newspaper)
  • في مؤسسات مثل المقاهي أو الجامعات، يُسمَح أحيانًا بالتدخين ضمن مناطق مخصصة أو في الفضاء الخارجي، لكن ليس في الأماكن المغلقة بالكامل.
  • دراسة لمنظمة الصحة الإقليمية أظهرت أن 19.3٪ من الأشخاص يعيشون في منازل يُسمَح فيها بالتدخين الداخلي، و55.4٪ من المقاهي/المطاعم التي يزورونها تسمح بالتدخين في مناطق مخصّصة. (emro.who.int)

مقارنة موجزة بين السعودية، الإمارات، وقطر

البندالسعوديةالإماراتقطر
حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقةنعم — منذ 2016 في عدة أماكننعم — مع تعامل الفيب كالتبغنعم — القانون 2016 يضم المواقف المغلقة
غرامة لأول مخالفة200 ريال سعوديتُفرض غرامات محلية حسب الإمارةمن 1,000 إلى 3,000 ريال قطري
بيع التبغ لمن هم دون 18 سنةمحظور رسميًامحظورمحظور قانونياً
منع بيع التبغ في المحال الصغيرة / البقالاتمقترح حظر في طرح تشريعي حديثبعض الإمارات تطبّق قيودًا على البيع والترويجقانون يمنع العرض والبيع
التعامل مع الفيب/السجائر الإلكترونيةيُعامل كالتبغمشمول بالقوانينمذكور في القانون بأن العرض ممنوع، لكن الامتلاك غير محظور
الالتزام في الفنادق / المرافق السياحيةمنع التدخين في الفنادق/مناطق سياحية مغلقةيُمنع في غالب الفنادق، أو يُخصص نطاقًا خاصًا بعيدًا عن الأماكن العامةيُمنع في الفنادق والمرافق المغلقة

التوازن بين التقاليد والضرورة الصحية

قد يُنظر إلى الشيشة أو التبغ أحيانًا كجزء من التراث أو الضيافة، لكن المصارحة الصحية تقتضي إعادة النظر. حين يجتمع الدخان بالمشهد اليومي، تضعف النظرة الصحية إلى التدخين.
بدون فرض بدائل حقيقية، وبدون التعليم الصحي، ستستمر عائلات كثيرة في نقل هذه العادات إلى الأجيال القادمة. يعتمد مستقبل الخليج الصحي جزئيًا على القدرة على دمج القيم الاجتماعية مع التوعية والمراقبة.

Scroll to Top