هل جلطة الساق خطيرة؟ نعم، بل هي أكثر من ذلك

في صباحٍ هادئ قد يبدو “قطبياً” أو بسيطاً، تنشأ في سُراديب أوردة الساق أو الفخذ جلطة دموية — بناءٌ خفيّ، لكن له تداعيات قد تصل إلى حياتنا كلها. ما تبدو كألمٍ خفيف أو ورم بسيط قد تتحول إلى أزمة تحصد أنفاسنا، ومفتاحها: التشخيص السريع والعلاج الحازم.

قصةٌ قد تبدو عادية، لكن نهايتها لا تُحتمل

تخيل مسافراً طويلاً، جلس على كرسي الطائرة لساعات من دون تحريك ساقيه بانتظام، أو عاملًا قضى يومًا كاملاً واقفًا بدون استراحة، ثم أيقن بأن ساقه “ثقيلة” أو مؤلمة قليلاً. قد يتجاهل الأمر… لكن في أحد تلك الأوردة العميقة تتكوّن كتلة دموية تمنع تدفق الدم بشكل طبيعي، ومع مرور الوقت قد تنفصل هذه الكتلة وتسرق جزءًا من الأكسجين الى الرئتين — فتتحول إلى حالة طارئة تُعرف بـ الانصمام الرئوي. (Mayo Clinic)

ما بدأت كمشكلة محلية بسيطة يمكن أن تنقلب إلى تهديدٍ مميت — وهذا ما يجعل الأمر “خطيراً جدًا” كما يَقال.

لماذا نُعدّ جلطة الساق “خطيرة جدًا”؟

هناك عدّة أسباب تجعل جلطة الساق (التي تعرف طبياً بـ تجلّط الأوردة العميقة أو Deep Vein Thrombosis – DVT) حالة طارئة ومُقلقة:

  1. الانصباب أو الانسداد الرئوي:
    إذا انفصلت جزء من الجلطة في الساق وتحركت عبر الدورة الدموية إلى الرئة، فإنه قد يحصل انسداد رئوي كبير يمنع الدم من المرور، ما يؤدي إلى نقص الأكسجين أو حتى الموت. (Encyclopedia Britannica)
  2. تلف الأنسجة في الساق:
    حين يُعيق تجمّع الدم في وريد أو أكثر حركة الدم، يقلّ الأكسجين والمواد الغذائية عن الأنسجة المجاورة، ما يؤدي إلى ضرر دائم قد يصل إلى موت الأنسجة والجَلد، ومن ثم احتمال البتر. (Reddit)
  3. متلازمة ما بعد الجلطة (Post‑Thrombotic Syndrome – PTS):
    على الرغم من العلاج، قد تظل الأوردة أو الصمّامات داخلها متضرّرة، فتُسبب تورّماً مستمرة، ألماً، تغيُّر لون الجلد، تقرّحات، أو حتى ضمورًا في العضلات. (Mayo Clinic)

إذًا، ما يبدو “جلطة في الساق” ليس مجرد ألم عابر أو انتفاخ بسيط؛ بل قد يكون الشرارة الأولى لسلسلة أحداث تستدعي اليقظة والاهتمام الطبي الفوري.

ما عوامل الخطر التي تُهيّئ لحدوث الجلطة؟

لفهم لماذا قد تصاب بالجلطة، يجدر بنا النظر في العوامل المؤدية:

  • الجلوس أو الاستلقاء لفترات طويلة جدًا، مثل الرحلات الجوية الطويلة أو الراحة في السرير بعد جراحة. (Mayo Clinic)
  • الإصابات أو العمليات الجراحية أو الترميم العظمي، التي تضر بالأوردة أو تقلّل الحركة. (OrthoInfo)
  • السمنة، التدخين، تناول وسائل منع الحمل الهرمونية، وبعض حالات السرطان أو الالتهاب المزمن. (Healthline)
  • وجود تاريخ عائلي للجلطات الدموية، أو اضطرابات تخثّر الدم وراثياً. (Harvard Health)

لذلك، قد يبدو الأمر “عاديًا” لكن الخطر يتراكَم بصمت حتى يظهر فجأة.

ما الأعراض التي تستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً؟

حين نسمع “جلطة” فإن السؤال الأهم هو: متى يجب التوجّه فورًا للطوارئ؟ إليك الأعراض التي لا تحتمل التأجيل:

  • ألم أو تورّم أو دفء أو تغيّر لون أحد الساقين (وخاصةً في الساق المصابة غالبًا ما يكون ذلك مفاجئًا). (Mayo Clinic)
  • أعراض الانسداد الرئوي: ضيق التنفس المفاجئ، ألم في الصدر يشتدّ مع التنفس أو السعال، سعال مدمّى، دوخة أو إغماء أو تسارع في ضربات القلب. هذه كلها علامات طوارئ حقيقية. (Mayo Clinic)

باختصار: إذا “تخلّلت” الجلطة إلى الرئة، فإن الأمر لم يعد متعلقًا بالساق فحسب — بل بحياتك بأكملها.

ماذا يحدث عند تأخر العلاج؟

تأخير التشخيص أو عدم تلقي العلاج بالسرعة المطلوبة قد يؤدي إلى:

  • تفاقم الجلطة وتوسّعها.
  • انفصال جزء منها وتحويله إلى انسداد رئوي.
  • تضرّر دائم في شبكة الأوردة بالرجل، مما يؤدي إلى ضعف تدفُّق الدم وصعوبة التصريف.
  • احتمال البتر في الحالات القصوى عندما تموت الأنسجة.
  • معاناة مزمنة من الألم والتغيّر في مظهر الساق ووظيفتها (متلازمة ما بعد الجلطة).

كل هذا يجعل الوقاية والتشخيص المبكر عنصرين حاسمين للنجاة وجودة الحياة.

كيف يمكن الوقاية أو الحدّ من خطر جلطة الساق؟

إن لم تُسبّب الجلطة بعد، فإن هناك إجراءات بسيطة لكنها قوية للحدّ من احتمال حدوثها:

  • تحرّك بانتظام إذا كنتَ جالسًا لفترات طويلة—حتى مجرد المشي لبضع دقائق. (Mayo Clinic)
  • عند السفر أو الجلوس لفترات طويلة: حرّك ساقيك، شدّ عضلات الساقين، قف أو امشِ كلّ ساعة تقريبًا. (Mayo Clinic)
  • تجنّب التدخين، وراقب وزنك ومؤشِّر كتلة الجسم. (Healthline)
  • بعد العمليات الجراحية أو عند الخضوع لعلاج طويل في السرير: اطلب من الطبيب استخدام الجوارب الضاغطة أو تحفيز الحركة المبكرة. (Verywell Health)
  • إذا كان لديك عوامل وراثية أو مرضية تجعل الدم يتخثّر بسهولة، فناقش مع الطبيب وسائل الوقاية — مثل الأدوية المخفّفة للتخثّر أو متابعة دقيقة.

ماذا تفعل إذا اشتبهت بجلطة؟

  1. لا تتجاهل أي تورّم مفاجئ أو ألم غير مبرَّر في الساق.
  2. اتّصل بالطوارئ أو انتقل بسرعة إلى المستشفى إن ظهرت أعراض ضيق التنفس أو ألم الصدر.
  3. أخبر الطبيب بجميع تفاصيل الوضع: مدة الجلوس، السفر الأخير، العمليات، الأدوية.
  4. اقبل إجراء الفحوصات التي قد تُطلب مثل Doppler للأوردة، أو الأشعة المقطعية لدى الشكّ بانسداد رئوي.
  5. ابدأ العلاج فورًا إذا شُخّصت الحالة — غالبًا ما يبدأ باستخدام مميعات الدم (Anticoagulants) تحت إشراف طبي صارم. (Healthline)

الخلاصة … رسالة إلى كل قارئ

جلطة الساق ليست “نوبة عابرة” أو ألمًا بسيطًا. إنها إنذارٌ حقيقي بأن النظام الدموي يتعرّض لخطر شديد قد يُنكِر العافية في لمح البصر.
إن كنتَ في مكتبك لساعات بلّا حراك، أو خضعت لعملية، أو انتقلت سيارة أو طائرة دون حركة كافية، فافهم أن الوقاية والمراقبة ليست ترفًا، بل ضرورة.

وإن شعرت بألم في ساقك، أو تورّمًا غير مبرَّر، أو ضيقًا مفاجئًا في التنفس دون سبب – فاطلب العون فورًا. الحياة ثمينة، والساق ليست أضعف عضو فيها — بل هي بوابة لكثير من الأحداث الكبرى، سواء في الحركة أو الإيقاف… فلماذا ندعها تخرقنا؟


مصادر للتثقيف الإضافي:

Scroll to Top