سياق الأزمة: لماذا طُرحت فكرة المقاطعة؟
تحظى شركة دانون – العملاق الدولي للمنتجات الألبانيّة واللبنانيّة – بانتشار واسع في الأسواق العربية، وبينما تُعتبر بعض منتجاتها معتمدة بشهادات مثل الحلال، بدا أن بعض الجماهير تسعى إلى مقاطعتها لأسباب متعددة.
من أبرز الأمثلة: في المغرب عام 2018، شنّ مستهلكون حملة مقاطعة ضد فرعها المحلي Centrale Danone، بالإضافة إلى شركات أخرى، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار والهيمنة في السوق. (Al Arabiya English)
كما وردت منشورات على مواقع التواصل تشير إلى روابط أو شراكات مفترضة بين دانون وشركات أو مشاريع يُنظر إليها سياسيًا أو أخلاقياً بشكل سلبي. منها ما ورد في تقرير “فَكي” عن موقع البلجيكي RTBF باعتبار أن الشركة لها – أو يُقال أنها لها – استثمارات في منطقة الجولان المحتل. (RTBF)
بالتالي، فإن فكرة المقاطعة تكمن في رغبة بعض المستهلكين بأن لا يدعموا مؤسسات يرون أن لديها دوراً أو مساهمات بقطاعات أو مناطق أو بنيات اقتصادية أو سياسية لا يوافقون عليها. من هنا برز سؤال: “هل دانون مستحقّة للمقاطعة؟” أو “ما مدى ارتباطها بما يُثار حولها؟”
أصول الشركة والشراكات في المنطقة
تعود أصول دانون إلى فرنسا، وهي مجموعة متعددة الجنسيات تعمل في أكثر من 120 دولة تقريبًا. كونها شركة فرنسية يجعلها في بعض الدول هدفًا لحركات مقاطعة مرتبطة بسياسات فرنسا أو علاقاتها السياسية–الاقتصادية.
أما في الشرق الأوسط / الخليج، فهناك شراكات محلية تُشغِّل اسم دانون أو تحمل اسمًا يُشير إلى دانون—مثالٌ على ذلك ما يثار حول شركة مثل الصافي دانون (Saudi‑DANONE) في السعودية، التي تمّ الإعلان عن “شراكة” بين “الصافي” والشركة الفرنسية (أو الشركة الأم) لدانون. هذا الإعلان يُضفي بعداً على النقاش حول كيفية تعامل المستهلكين المحليين مع منتجات تحمل “دانون” في اسمها، ومدى ارتباطها بالشركة الأم أو بقراراتها الدولية.
في المغرب، كانت Centrale Danone مملوكة تقريباً بالكامل من المجموعة الفرنسية، وواجهت الحملة الشعبية ضغوطًا متعددة لدرجة أعلنت خسائر كبيرة في مبيعاتها نتيجة المقاطعة. (article19.ma)
الأسباب التي يستند إليها المدافعون عن المقاطعة
- يرى البعض أن استهلاك منتجات دانون يُعرّضها إلى دعم ومساهمة في أنشطة أو سياسات لا يوافقون عليها، سواءً من جانب الشركة الأم أو شراكاتها أو استثماراتها الدولية.
- يُذكَر أن في بعض الحملات الإعلامية تمّ ربط دانون بـ “قائمة مقاطعة” لأسباب سياسية أو عقدية، أو كجزء من ردّ فعل تجاه دعمها أو نشاطها في مناطق مثيرة للجدل. (RTBF)
- في الحالة المغربية، اعتبر بعض المقاطعين أن السعر المرتفع للمنتجات كان مدعوماً بقدرة احتكار أو شبه احتكار، ما دفعهم إلى رؤية دانون كرمز للتفاوت الاقتصادي، فكانت الحملة كذلك حركة اجتماعية. (Novethic)
الأسباب التي يرى فيها البعض أن المقاطعة ليست مبرّرة أو ليست بالسهولة التي تُطرح بها
- أولاً، رغم أن دانون شركة عالمية، لكن ليس بالضرورة أن كل شريك محلي يحمل اسم “دانون” يكون تحت السيطرة الكاملة للمجموعة الأم، أو أن كل قرار يتأثر مباشرة بما يحدث على مستوى الشركة الأم.
- ثانيًا، بعض منتجات الشركة محليًا حاصلة على شهادات مثل الحلال، وهو أمر مهم في الأسواق العربية والإسلامية. هذا يجعل بعض المستهلكين يرون أن الامتناع من هذه المنتجات يجب أن يُبنى على معلومات دقيقة وليس مجرد “إحساس” بالعدالة أو الأخلاق.
- ثالثًا، البيئات الاقتصادية المحلية قد تتأثر سلباً إذا توقفت عقود التشغيل أو التوريد. في المغرب مثلاً، انخفاض مبيعات Centrale Danone أدى إلى تأثير كبير على مزارعين وعمال. (article19.ma)
ماذا يعني هذا في السياق السعودي أو الخليجي؟
في السعودية والخليج، وجود شركة “الصافي‑دانون” يُعطي بعدًا محلياً أقوى للقرار: فالمستهلك السعودي إذا قرّر المقاطعة، يجب أن يتأكّد من هل الشركة فعلًا مصنعٌ فرعيٌّ مملوكٌ محلياً، أو يتمّ استيراد المنتجات عبر الوكالات، وهل هناك سياسات محلية مستقلة. هذا يُعبّر عن “المحليّة” في القرار: ليس كل منتج عليه اسم دانون تلقائيًا يعني أنه يخضع لنفس السياسات الدولية.
كما أن بدائل محلية متوفّرة غالبًا في الأسواق، ما يُسهّل للمستهلك الذي يُفضّل “دعم المنتج المحلي” أن يفعل ذلك.
ماذا ننصح كمستهلكٍ واعٍ؟
- قم بالبحث: تحقق من منشورات الشركة المحلية، هل تملك مصانع محلية؟ ما هي نسبة الشراكة؟ ما هي سياسات الشهادات (الحلال، الجودة، …)؟
- قرّر ما هي مقاطعتك – هل هي بسبب شركة الأم، أو بسبب مصنع محلي–وكيف ستُطبّق؟ هل يعني الامتناع الكامل عن كل منتجات “دانون”؟ أم الانتقاء؟
- راقب البدائل المتوفّرة: تأكد أن المنتج البديل يلبي نفس المعايير (جودة، سلامة، شهادة الحلال إن كنت مهتمًا).
- تذكّر أن المقاطعة غالبًا ما تؤثر على الجميع بمن فيهم الموردون المحليون، لذا فكّر في العواقب: هل يؤدي القرار إلى تأثر العاملين أو المزارعين؟
- شارك رأيك في وسائل الإعلام أو عبر مواقع التواصل بوعي ومسؤولية: هل لديك حقائق موثوقة؟ هل هناك بيانات رسمية؟
خلاصة
حملة المقاطعة التي طالت دانون في بعض البلدان تُظهر كيف يمكن للاستهلاك أن يصبح أداة تعبير اجتماعي وسياسي، ليس فقط اقتصاديًا. دانون – كعلامة عالمية – أصبحت رمزية في بعض المجتمعات. وفي المنطقة العربية، فإن قرار المقاطعة ليس مسألة بسيطة؛ لأنه يرتبط بعدة أبعاد: محلي، دولي، ديني، اقتصادي.
إن كنتَ مستهلكًا في السعودية أو الخليج، فإن الأمر يعود إليك: القرار متروك لك، لكن الأهم أن يكون مبنيًّا على فهم كامل – من شطرَي الشراكة المحلية والعالمية، ومن النظر في البدائل والعواقب. فالإنتاج المحلي، الجودة، الشهادة الحلال، التحالفات الدولية – كل هذا جزء من الصورة.


